Close

December 13, 2016

وحدة الفن الإسلامي

يقول الدكتور فلاح جبر (أستاذ محاضر بقسم المعماري – جامعة العلوم والتكنولوجيا – وهران الجزائر) في مقالة عن العمارة والفن الإسلامي:

“إنّ العلاقة بين التوحيد (الدين) والفن الإسلامي هي علاقة حميمية خاصة؛ وذلك لأنّ ولادة الفن إنما تمت في المسجد، إذا جاز القول، والمسجد هو متحف الفن الإسلامي، إلا أننا لا نستطيع نسيانه كمكان للصلاة، وأنّ عبقرية الفن الإسلامي تكمن في هذا التماس المدهش بين الفن والدين.”

 من أهم ميزات الفن الإسلامي وجود تلك الهوية أو الروح التي تجمع بين كل مفرداته ومنتجاته عبر التاريخ الطويل والجغرافية العريضة التي امتد فوقها.

فمن الدولة الأموية إلى العباسية ومن الفاطمية إلى الأيوبية ومن المملوكية إلى العثمانية سنجد أن منطلقات التعبير هي واحدة غالبا، وأنه مهما تعددت الأقطار وتبدلت الحقب فالروح الحقيقية لإخراج العمل الفني والمعماري هي روح واحدة بين الجميع على اختلاف التفاصيل والأنماط الفنية والخامات المستخدمة حسب الطبيعة البيئية لكل بلد.

وهي روح جمعت ما بين التوظيف الهادف للتعبد مع المحافظة على الجوانب الجمالية بشكل واضح وصريح دون الإضرار بالدور الوظيفي ودون طغيان أحد الجانبين على الآخر.

وانطلاقا من الحديث النبوي المعروف:

إن الله جميل يحب الجمال“.

سنفهم ربما ذلك السعي الحثيث لنشر الجمال الذي أصبح مصاحبا لمرافق الفضيلة أيا كانت وكيفما استدارت.

وهذا ربما ما أدى إلى تماثل الدوافع الرئيسية في البناء لدى المسلمين على اختلاف بلدانهم, وتشابه المحددات الأساسية لديهم في التزيين والتوظيف.

فالتوحيد كمنطلق روحي هو المفردة الأولى التي ارتكزت عليها العقيدة التي كمنت وراء بناء المساجد.

والعبادة (من صلاة ودراسة وتجمع ووضوء واعتكاف وتأمل) هي الركيزة التوظيفية التي وضعت دائما نصب عين من يقوم بتصميم النمط المعماري للمسجد كي ينتج ما يحقق تلك المتطلبات بأفضل الوسائل.

يقول د.ثروت عكاشة في كتابه : القيم الجمالية في العمارة الإسلامية:

“وكما كانت للبيئات الصحراوية أثرها في توجيه الفن المعماري وطبعه بطابع متميز يمثل تلك البيئة في الكثير من مظاهرها، كذلك كانت للتعاليم التي نزل بها الدين الإسلامي هي الأخرى أثرها في الفن المعماري. فالإسلام يعد كل بقعة من الأرض طاهرة يجوز للمؤمن أن يؤدي عليها ما فرضه الله من صلاة. لذا جاءت المساجد أول ما جاءت في الإسلام صحونا متسعة وتسور بجدران. وإذ كان لابد من أن يتجه المسلمون في صلاتهم إلى قبلة بعينها، جاء بناء المساجد مرتبطا كل الارتباط بهذا التوجيه الديني”.

ويتابع د.ثروت عكاشة:

“وقد حمل فن العمارة في ظل الإسلام تعبيرا معماريا جديدا إذ ربط هذا الفن المعماري بين المسجد والكعبة في مكة المكرمة، وتزاوج التعبير المعماري الأول الذي أحسه ساكن البادية من صلته بالسماء من خلال صحن داره المكشوف مع التعبير المعماري الجديد المستوحى من صلة العابد بالأرض”.

وقد كان تفخيم بناء المساجد شيئا ربما تم الاتفاق عليه ولو ضمنيا (بعد العصر الراشدي) بهدف إضفاء العظمة والهيبة، كون المسجد هو بيت الله المفتوح للعباد.

حتى أن الأمر قد تحول في زمن لاحق إلى سباق من التفخيم والتعظيم عندما تهافت كل خليفة جديد على بناء صرح جديد (ربما يكون متاخما لصرح آخر) يلتحق باسمه ليصبح تحفة معمارية لاحقا تدهش من يراها. ولا ننكر أن الأمر ربما قد خرج قليلا في بعض الحقب من جانبه الروحي ودخل في جانبه الدنيوي سعيا لإبراز اسم الخليفة ببروز عظمة البناء، وهو ما كان مرفوضا في العصور الإسلامية الأولى.

أيضا كان الجانب الزخرفي هو اتجاه مفضل للتزيين والتعبير الفني بين جميع جهات العالم الإسلامي وحقبه، وهو اتجاه تجريدي بحت بدأ وانتشر وتعدد وأصبح بلا نهاية من كثرة التنوع والإمكانيات..

حيث لم تكن المنافسة التعبيرية هي الأساس الفني بل التجريد والتزيين الدقيق والمتقن هو الأصل الأول بين كل محترفي الزخرفة والخطاطين.

أما المنازل فقد كانت عقيدة بنائها على عكس بناء المسجد تماما.. فهي بسيطة جدا من الخارج ومتشابهة ولا تسمح للتمايز والتباهي، إذ لم يكن يليق بالمسلم التفاخر بشكل داره وما يملك (فيما عدا الخليفة أو السلطان ابتداء من العصر الأموي وما يليه). أما من داخل البيوت فقد كانت عقيدة المعمار المسلم أن يقدم للفرد والعائلة نماذج هادئة تؤمن الخصوصية والجمال والضوء والماء والسماء والتراب والشجر والنبات والمساحة المريحة كل ذلك في مكان واحد هو البيت الإسلامي المعد لراحة الإنسان وأدائه لمهماته العائلية من رعاية وحماية على الوجه الأكمل كي يستطيع التوجه لحياته الخارجية من عمل وسعي وكد.

هذا كله وغيره من عوامل ظاهرة وخفية ما أضفى على الفن الإسلامي رغم تنوعه وتعدده ورقعته الهائلة وحدة جامعة جعلته دائما ينطق قصائد مختلفة غاية في الجمال والتجديد ولكن بلسان واحد ولغة واحدة.

يقول الأستاذ عبد اللطيف السمان في كتابه (الفن الإسلامي):

“تتميز الفنون الإسلامية بأن هناك وحدة عامة تجمعها, ولعل هذا السر هو من أسرار تفوق الحضارة الإسلامية وقدرتها الفائقة على صبغ المنتجات الفنية في جميع الأقطار بصبغة واحدة على أن هذه الوحدة لم تمنع من وجود طرز إسلامية تتميز بها الأقطار الإسلامية المختلفة في عصور تطورها الفني.”

محمد الحموي